يعتبر الشيخ الحسن أبكر أحد أبرز الوجوه القبلية، وواحد من أهم القيادات الميدانية في اللجان الشعبية التي قاومت التمدد الحوثي في محافظة الجوف اليمنية.
وبرز اسم "أبكر" في الإعلام منذ المواجهات الأولى مع جماعة الحوثي في العام 2011م، إثر محاولاتها السيطرة على محافظة الجوف، مستغلة الفراغ الأمني إبان ثورة فبراير 2011م.
ينحدر "أبكر" من أسرة هاشمية تقطن محافظة الجوف، لكنه لا يؤمن بالمذهبية ولا بالطائفية، ولا يدين بالولاء لجماعة الحوثي، وهذا بحسب مقربين منه، هو سر العداء الذي تكنه له جماعة الحوثي، باعتباره "هاشمياً متمرداً" على سلطة وأحقية الحوثي في الولاية، حسب أدبيات جماعة الحوثي.
قدمت أسرة "أبكر" تضحيات كبيرة في الصراع مع الحوثي، كان آخرها استشهاد نجله (علي) وتوأمين لشقيقه هما (عبدالعزيز وأحمد) أبكر، إضافة إلى اقتحام المسلحين الحوثيين لمنزله في منطقة الغيل بمحافظة الجوف.
موقع "المصدر أونلاين" التقى الحسن أبكر في مأرب وقلب معه العديد من ملفات الحرب في الجوف، أسبابها وتداعياتها، ومستقبل الهدنة، أو الاتفاق الذي عقدته القبائل مع مسلحي الحوثي في الجوف.
يتحدث "أبكر" بلغة الواثق في قدرة اللجان الشعبية واستعدادها لمواجهة جماعة الحوثي المسلحة، ويؤكد وجود تحالفات قبلية جديدة للتصدي للمد الحوثي
* لنبدأ شيخ الحسن من النهاية المفاجئة التي آلت إليها المواجهات مع جماعة الحوثي المسلحة في الجوف؛ ففي حين كان الناس يعتقدون أن الحوثيين سيعلنون انتصاراً بمجرد وصولهم إلى منزل الحسن أبكر، فوجئ كثيرون بهذه النهاية السريعة والمفاجئة .. كيف تقرأ ذلك ؟
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وحيا الله صحيفة المصدر ؛ ونحن نعول كثيراً على الإعلام بأن يكون له دور ايجابي في إيصال وجهة النظر الصحيحة إلى الشارع، سواءً المحلي أو العالمي.
وبالنسبة لانسحاب الحوثيين، فقد فاجأ بعض الناس، لكننا لم نتفاجأ، فالمسألة بالنسبة إلينا طبيعية، وليست مفاجئة؛ ونحن في محافظة الجوف في حرب مع الحوثي منذ العام 2009م و2011م، وتكررت المعارك بعدها في أوقات متفرقة وأماكن متفرقة أيضاً كـ"اليتمة" و"آل سعيد" خلال مداهمتهم للمجمع الحكومي في مسيرة أسموها سلمية، بينما كان انصار الحوثي يحملون الأسلحة والبوازيك، تلت ذلك معركة في منطقة "كمنَة" في بلاد (بني نوف)، وصولاً إلى المعركة الأخيرة التي دارت حول البيت (يقصد منزله).
كان الحوثيون يعتقدون أن "منزل أبكر" هو المحطة الأخيرة لهم بعد معارك استمرت 6 سنوات، وبعدها سيبدأ الانتصار، مثلما حصل في معارك سابقة ساندهم فيها النظام السابق وأيادٍ خفية من جهات اقليمية ودولية، الذين صنعوا لهم انتصارات وهمية من خلال انسحابات تمت في صفوف المقاتلين، وكانوا يظنون أن الأمور ستتم بهذه الطريقة، وحاولوا فعلاً مع بعض الجهات على هذا الأساس.
وبعد معارك ضارية واستماتة حول البيت، أنا أحسست أن المسألة مجرد "انتحار" فدعوت أصحابي من مقاتلي اللجان الشعبية وقلت لهم لا داعي لأن تهلكوا داخل البيت، وقررت الخروج من محيط المنزل، فكان هذا الخبر مثل الصاعقة عليهم، وقالوا لا يمكن. لكنني اقنعتهم أنهم ليسوا فارين وإنما "متحرفين لقتال"، ولقد بكى بعضهم والبعض الآخر وصفني بـ"الجبان" والخائف. قلت لهم : سموني ما شئتم، نحن لسنا في وقت مقامرة، وهدفي هو المحافظة عليكم، فانحزنا إلى منطقة قريبة، والحوثي هجم فضُرب ضربة قاضية ووقع في الفخ والمهلكة، وتم التنسيق مع الطيران فضربهم في البيت فكانت كارثة بالنسبة لهم، وفجأةً انسحبوا لأنهم أدركوا أن مجرد وصولهم إلى منزل واحد فقط، استغرق ست سنوات، فإن محاولة السيطرة على محافظة بأكملها هو ضرب من الخيال.
* على ذكر الطيران الحربي، هناك مَن يشبه ضرباته بأنها عبارة عن "ذر الرماد في العيون" .. هل ترى أن مشاركة الطيران كانت فعلاً "شكلية" تفتقر إلى التنسيق والتوجيه الدقيق؟
- الدولة والجيش تعاونوا معنا، بتوجيهات من رئيس الجمهورية، عبدربه منصور هادي، ووزير الدفاع، اللواء الركن محمد ناصر أحمد، وأنا لا افتش عن القلوب، نحن وصلتنا مساعدات عسكرية ليست مادية، وتوجيهات للطيران بإسعاف جرحى اللجان الشعبية إلى مستشفيات العاصمة صنعاء، كان هناك بعض التنسيق مع الطيران الحربي لضرب مواقع المسلحين الحوثيين، لكنه ارتكب بعض الأخطاء في حق المدنيين وبعض مقاتلي اللجان الشعبية، مع هذا، نحن نحسن النوايا.
* كيف تُقيم وضع محافظة الجوف اليوم؟
- الوضع جيد، لكن أطماع الحوثي ما تزال هي هي، والحقيقة أنني انتقد الاتفاق الأخير بين الرئاسة والحوثي (يقصد التوقيع على اتفاقية السلم والشراكة) فبعد سقوط صنعاء في يد المليشيا المسلحة، بادرت الرئاسة إلى توقيع اتفاق. وأنا أعيب على الأحزاب السياسية التي لم تسجل موقفاً مشرفاً، على الأقل الامتناع عن التوقيع حتى يتوقف الحوثي عن تمدده ومداهمته للمدن ولبيوت الناس.
كانت وجهة نظري تجاه الرئيس ايجابية، لكن ظني خاب بعد التوقيع واستأتُ كثيراً من هذا.
* حزبا الرشاد والناصري كان موقفهما متحفظا من التوقيع .. ووقعا أخيراً.
- والله أنا ما سمعت بهذا، لكن الذي تحفظ عموماً هو رجل شريف مهما كان، والذي وقع فلي عليه ملاحظات وعلى توقيعه.
* هل ما تزال أطراف الصراع ملتزمة باتفاق الهدنة في الجوف؟
- يضحك .. ما بشي (لا شيء) هدنة بين اللجان و الحوثيين، فهذا الاتفاق هو صنيعة الحوثي، وجعل قبائل دهم تتحرك لعقد اتفاق بين القبائل، وبدأ يسيره في كل المديريات، واتصلوا بنا في اللجان الشعبية للتوقيع، فأخبرناهم أنه ليس لدينا أي مانع في الاتفاق حول التهدئة ووقف الاستفزازات والمظاهر المسلحة التي يمارسها الحوثيون، فتم التوقيع على هذا الأساس،بين الحوثيين وبين القبائل.
ولهذا، فقبل أسبوع تحركت أربع سيارات تابعة للحوثي ومروا بطريقة استفزازية في منطقة تابعة لقبيلة (المهاشمة) في مديرية خب الشعف، فهاجمها رجال القبائل وقتلوا بعض من فيها، فأرسلت القبائل تحكيماً لذويهم وفقاً للأسلاف والأعراف القبلية، لكن الحوثيين طالبوا بتسليم من اسموهم "الجناة" إلى السيد، يقصدون عبدالملك الحوثي، فرد القبائل أنهم لم يعترفوا أصلاً بالسيد، وأنهم "جمهروا" أي انضموا إلى الجمهورية منذ سنتين، ولن نعترف بالملكية إلا بعد 50 سنة من قبول الناس بها.
نحن نتمنى للمحافظة الهدوء، ونحن لسنا ضد الحوثي، بل ضد تصرفاته وأعماله، ولن نقبلها وسنحاربها، وتلك السيوف التي قاتلناه بها في الأمس، ما زالت في أغمادها، ومتى ما قرر أن يجرد سيفه جردنا سيوفنا.. لن نتنازل إطلاقا في أي زمان وفي أي لحظة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
* لك تصريح سابق شيخ الحسن أثار جدلاً كبيراً حول لجوء القبائل إلى تنظيم القاعدة في حال تخلت الدولة عن حماية مواطنيها .. هل ما تزال عند هذا الرأي؟
- أنا قلت هذا التصريح نعم، وهو مشروط في حال تُركنا بمفردنا ولم تساعدنا الدولة، لكن للأمانة وقف الرئيس والدولة إلى جانبنا ودعمونا وانتهى التصريح في حينه، لذا فهذا الخيار لم يعد مطروحاً. ولك أن تتصور محارباً يرى العالم ضده ويتآمر عليه داخلياً وخارجياً، فإنني سأقاتل هذه الفئة في الشعاب لوحدي، رغم أنها تقاتلنا بإمكانات الدولة التي نهبتها من كل مكان، بل أنها اُعطيت بعض الأسلحة من بعض جهات في الدولة؛ وعلى كل حال لن نمد أيدينا إلى أي جهة تخل بأمن الوطن واستقراره.
* هل يعني هذا أنك تستشعر، بعد كل ما حصل، أن هناك جدية ما، لدى الدولة في الحيلولة دون انزلاق الأوضاع إلى موجة جديدة من المواجهات في الجوف؟
- ما أزال مؤملاً، ولن أيأس من قيام الدولة بواجباتها.
* ماذا بشأن استعدادات القبائل واللجان الشعبية للمواجهة فيما إذا قرر الحوثيون العودة إلى الجوف مرةً أخرى؟
- اللجان على أهبة الاستعداد، بكل ما تحمله كلمة استعداد من معنى، وهذا هو الضامن في عدم اللجوء إلى خيار آخر، وما نحسه ونلمسه في كل مناطق القبائل أن الناس معنا، وسنظل أقوياء بفضل الله تبارك وتعالى، ثم بجهود رجال القبائل واللجان الشعبية الشرفاء والأوفياء.
* طيب .. هل تلحظون أنه تم رصد أي تحركات جديدة للحوثي في الجوف، خاصة والبعض يرى أن سيطرة مسلحي الحوثي على صنعاء فتحت شهية المسلحين لابتلاع مناطق ومحافظات أخرى، بينهما مأرب والجوف؟
- نشاط الحوثي مستمر بطبيعة الحال، ولديه إمكانات مالية كبيرة جداً وهو يوظفها في تحركاته، لكنه ليس في حاجة للقتال مرة أخرى في الجوف، لأنه بموجب الاتفاقية (يعني اتفاقية السلم والشراكة) سيبدأ يضغط على الدولة لتحقيق أهدافه كما حدث في تعيين رئيس وزراء وغيرها من الأمور، وسيسعى إلى الضغط لتبديل مدير أمن بآخر، ومحافظ بآخر .. الخ.
* في ظل التطورات الأخيرة وسيطرة الحوثي على العاصمة صنعاء، هل هناك تحالفات قبلية جديدة لمواجهة تمدد الحوثي باتجاه الجوف؟
- كما قلت لك؛ نحن لم نيأس من الجانب الرسمي، ونود أن نجري تفاهمات معه قبل الاقدام على أي شيء، أما بالنسبة للقبائل فهي متحالفة من سابق، وتمثل هذا في لقاءات اقليم سبأ، وهي موجودة وما زالت قائمة، لكننا ما نزال ننتظر موقف الدولة، هل ما تزال تقف إلى جانب حقنا في الدفاع عن أرضنا، كما أننا ننتظر مواقف بعض القبائل التي ربما تنظم للتحالفات قريباً.
* هذا يعني أن القبائل ما تزال تتخوف من تمدد الحوثي في أراضيها؟
- نعم، الناس متخوفة، وزادت حدة هذه المخاوف بعد وصول الحوثي إلى العاصمة صنعاء.
* هل ما تزال اللجان الشعبية واقعاً على الأرض، وهل تتلقى مخصصات ورواتب من أي جهة؟
- اللجان ما تزال موجودة على الأرض، لكن المخصصات والرواتب متوقفة، ولا ندري هل الحوثي وتغلغله في صنعاء هو السبب وراء ذلك، أم أن هناك توجها جديدا لدى الدولة يواكب مزاج الحوثي !
* كيف هو وضع الألوية العسكرية الموجودة في الجوف، وهل لديهم القدرة على عمل شيء فيما إذا استأنف الحوثيون هجومهم على المحافظة؟
- ليس لدينا ألوية عسكرية؛ لدينا لواء عسكري واحد فقط، وهو الذي ساند اللجان في الحرب على الحوثي منذ 2011م.
* هناك شبه شكوك، مفادها أن الحرب في الجوف هي حرب بالوكالة بين المملكة العربية السعودية ومسلحي الحوثي، وتتلقى الدعم من المملكة؟
- نحن لم نتلقَ دعماً من السعودية، لكننا ندعوها لدعمنا، كما أننا ندعو دولة قطر لدعم القبائل في مواجهة غطرسة الحوثي، فأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قال خلال توليه مقاليد السلطة (إن قطر كعبة المظيوم). ومن خلال صحيفتكم أدعو قطر والسعودية إلى دعمنا، فهم اخوتنا وأهلنا، وعمقنا، ولا عيب في ذلك، فإذا كانت فارس تدعم عميلها في اليمن (الحوثي) لتقويض أمنه وزعزعة سكينته، فمن باب أولى أن يدعمنا اشقاؤنا في الخليج لمواجهة الخطر الذي يمثله الحوثي على أمن واستقرار المنطقة برمتها. إلى الآن لم يدعمونا، أقولها بصراحة، ولو دعمونا لقلتُ دعمونا، فأنا لا استحي من الحق، بل ادعوهم إلى دعمنا، والتخفيف عن النازحين من ديارهم بفعل مليشيا الحوثي المسلحة. مشكلة السعودية أنها تراجعت في الآونة الأخيرة تجاه مسؤولياتها وواجباتها مع اليمنيين، ورأينا طرد العمال والتضييق عليهم، رغم أن الواجب أن نعامل كجيران، حالة استثنائية، لكن للأسف تم طرد آلاف العمال من السعودية والذين استقطبهم الحوثي ودفع لهم الرواتب، وجعل منهم جيشاً يقاتلنا، فلا بد أن تراجع السعودية حساباتها، وشعبيتها في اليمن التي بدأت تتراجع.
* على ذكر النازحين، هل قدمتم شيئاً في اللجان الشعبية إلى هؤلاء النازحين، وإلى مئات الطلاب المحرومين من الدراسة بفعل المواجهات في الجوف؟
- سعينا جاهدين إلى إيواء الناس وتسكينهم قدر المستطاع، ووفرنا، من خلال بعض المحسنين، خياماً للإيواء، واستيعابهم في مخيم واحد، لكن من الصعوبة ترتيب كل شيء في عشية وضحاها، فالمسألة تحتاج إلى إمكانات ضخمة لا تتوفر إلا مع الدولة، لكن للأسف ما معنا (ليس معنا) دولة تعيننا، بل بعض التجار والخيرين هم من يعينوننا في ذلك. والتربية والتعليم تحاول اليوم استئناف الدراسة، لكننا جميعاً نواجه صعوبة بالغة في العودة إلى الوضع الطبيعي قبل حدوث المواجهات.
* هل تدخلت الدولة كمؤسسات في مساعدة النازحين؟
- أبكر: لا.
* طيب .. هذا يعزز الشكوك عند الناس بأن الدولة لم تكن طرفاً في المعركة الدائرة في الجوف؟
- مقاطعاً .. أنت تريد أن تقحمني في الدخول في صراع مع الدولة .
* لا أنا أقصد أن غياب الدولة يعزز ما يطرحه الحوثي بخصوص أن الصراع لم يكن مع الدولة، لذا فغيابها مبرراً !
- ليس بهذه البساطة، هناك تدخل من قبل مؤسسات الدولة كالتربية والتعليم، لكن لا يعني هذا عدم وجود تساهل، أو لنقل تقصير كبير في القيام بواجبات الدولة تجاه المواطنين.
* مررنا بكوارث أقل من الحروب، مثلاً السيول في حضرموت، ورأينا منظمات حقوق الانسان والدولة تهرع إلى هذه الأماكن .. لماذا فقط الجوف لا أحد يلتفت إليها؟
- لأنها سيول وليس وراءها شيء آخر؛ في الجوف هناك مليشيا حوثية، وهناك من يتحفظ خوفاً من بطش المسلحين؛ فبعض التجار يقدمون مبالغ للنازحين، ويشترطون عدم الإبلاغ عن هذا خوفاً من الحوثي؛ أنت أمام مليشيا مسلحة لا تأبه لشيء !
* تقصد أن نظرية "التواطؤ" ليست حقيقة فيما حدث في الجوف؟
- أرى أن نخفف حدة هذه اللهجة، حتى نستبين أكثر، ونتيح فرصة ولا نيأس، فإذا ما وصلنا إلى حقيقة لا تقبل الشك، فسنصرح بكل شيء دون مواربة.
كيف هو تواصلكم مع الجهات الرسمية، والرئاسة على وجه الخصوص؟
* احنا كنا على تواصل في السابق حتى سقطت صنعاء، وانقطعت التواصلات بيننا حتى هذه اللحظة.
* لماذا ؟
- نحن انشغلنا بالترتيبات للنازحين والمطرودين، والجرحى حينما انصرف عنا الحوثي، وأصبح التواصل صعباً مع صنعاء بعد سيطرة الحوثي عليها.